سورة النمل - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


تَطَلّبَه فَلَمَّا لم يَرَه تَعَرَّف ما سبب تأخره وغيبته.
ودلَّ ذلك على تيقظ سليمان في مملكته، وحسن قيامه وتكفله بأمور أمته ورعيته، حيث لم تَخْفَ عليه غيبةُ طيرٍ هو من أصغر الطيور لم يحضر ساعةً واحدةً. وهذا أحسن ما قيل.
ثم تَهَدَّدَه إن لم يكن له عُذْرٌ بعذاب شديدٍ، وذلك يدلُّ على كمال سياسته وعَدْلِه في مملكته.
وقال قومٌ إنما عَرَفَ أن الهدهد يعرف أعماقَ الماء بإلهام خُصَّ به، وأنَّ سليمان كان قد نزل منزلاً ليس به ماء، فطلبَ الهدهد ليهديَهم إلى مواضع الماء، وهذا ممكن؛ لأن في الهدهد كَثْرَةً. وغيبةُ واحدةٍ منها لا يحصل منها خَلَلٌ- اللهم إلاّ إِنْ كان ذلك الواحد مخصوصاً بمعرفة مواضع وأعماق الماء.....والله أعلم.
وروي أن ابن عباس سُئِلَ عن ذلك، وأنه قيل له: إنْ كان الهدهدُ يرى الماءَ تحت الترابِ ويعرفه فكيف لا يرى الفَخَّ مخفيّاً تحت التراب؟
فقال: إذا جاء القضاء عَمِيَ البصر.
ويقال: إن الطير كانت تقف فوق رأس سليمان مُصْطَفّةً، وكانت تستر انبساط الشمس وشعاعها بأجنحتها، فوقع شعاعُ الشمسِ على الأرض، فنظر سليمانُ فرأى موضع الهدهد خالياً منه، فَعَرَفَ بذلك غَيْبَته.. وهذا أيضاً ممكن، ويدل على كمال تَفَقُّدِه، وكمال تَيَقُّظِه- كما ذكرنا.


في هذه الآية دليل على مقدار الجُرْمِ، وأنه لا عِبْرَةَ بصغر الجثة وعِظَمِها. وفيه دليل على أن الطير في زمانه كانت في جملة التكليف، ولا يبعد الآن أن يكون عليها شَرْعٌ، وأَنَّ لهم من الله إلهاماً وإعلاماً؛ وإِن كان لا يُعْرَفُ ذلك على وجه القَطْع.
وتعيين ذلك العذاب الشديدِ غيرُ ممكنٍ قطعاً، إلا تجويزاً واحتمالاً.
وعلى هذه الطريقة يَحْتَمِلُ كلَّ ما قيل فيه.
ويمكن أن يقال فإن وُجِدَ في شيءٍ نَقْلٌ فهو مُتَّبَعٌ.
وقد قيل هو نَتْفُ ريُشه وإلقاؤه في الشمس.
وقيل يفرِّق بينه وبين أليفه.
وقيل يشتِّت عليه وقتَه.
وقيل يُلْزِمُه خدمة أقرانه.
والأَولى في هذا أن يقال من العذاب الشديد كيت وكيت، وألا يُقْطَعَ بشيءٍ دون غيره على وجه القطع.
فَمِنَ العذاب الشديد أن يُمْنَعَ حلاوة الخدمة فيجد أَلَمَ المشقة. ومن ذلك أن يقطع عنه حُسْنُ التولي لشأْنه ويوكَلَ إلى حَوْلِهِ ونَفْسِه، ومن ذلك أن يُمْتَحَنَ بالحِرْصِ في الطلب ثم يحال بينه وبين مقصوده ومطلوبه. ومن العذاب الشديد الطمع في اسم العذر ثم لا يرتفع ومن ذلك سَلْبُ القناعة. ومنه عَدَمُ الرضا بما يجري. ومن ذلك توهم الحدثان وحسبان شيءٍ من الخَلْق.
ومن ذلك الحاجة إلى الأَخٍسَّةِ من الناس. ومن ذلك ذُلُّ السؤال مع الغفلة عن شهود التقدير. ومن ذلك صحبة الأضداد والابتلاء بمعاشرتهم. ومن ذلك ضعف اليقين وقلة الصبر. ومن ذلك التباس طريق الرُّشد. ومنه حسبان الباطل بصفة الحق. والتباس الحقِّ في صورة الباطل. ومنه أن يطالب بما لا تتسع له ذات يده. ومنه الفقر في الغُرْبة.


فلم يلبث الهدهدُ أن جاء، وعََلِمَ أن سليمانَ قد تَهدَّدَه، فقال: أَحَطْتُ علماً بما هو عليك خافٍ، {وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}.
ثم ذكر حديث بلقيس، وأنها ملكتهم، وأن لها من المالِ والمُلْكِ والسرير العظيم ما عَدَّه، فلم يتغير سليمانُ- عليه السلام- لذلك، ولم يستفزّه الطمع فيما سَمِعَ عن هذا كما يحدث من عادة الملوك في الطمع في مُلِكِ غيرهم، فلما قال:

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10